عدد سكان إيران
تُعدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية واحدة من أكثر الدول تأثيرًا في منطقة الشرق الأوسط، من حيث عدد السكان، والامتداد الجغرافي، والعمق الحضاري، والتنوع الثقافي والعرقي. تقع إيران في موقع جغرافي استراتيجي يربط بين آسيا الوسطى، والخليج العربي، وشبه القارة الهندية، مما جعلها على مرّ التاريخ مركزًا للتبادل الثقافي والتجاري والحضاري. ويُعد عدد السكان في إيران عاملاً بالغ الأهمية في تفسير الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل الدولة، وفي محيطها الإقليمي.
تشير الإحصائيات السكانية الرسمية والمقدّرة إلى أن عدد سكان إيران قد تجاوز 89 مليون نسمة في عام 2025، موزعين على 31 محافظة رئيسية، مع تفاوت واضح في التوزيع السكاني بين المناطق الحضرية والريفية. تتجلى ملامح التغيّرات السكانية في إيران من خلال معدلات النمو، التحضّر، التركيبة الديموغرافية، الهجرة الداخلية، والتوجهات التعليمية والاقتصادية بين مختلف الفئات العمرية.
النمو السكاني في إيران عبر العقود
شهدت إيران خلال النصف الثاني من القرن العشرين نموًا سكانيًا سريعًا نتيجة للزيادة الطبيعية المرتفعة، المدفوعة بارتفاع معدلات الخصوبة وتحسن الرعاية الصحية. ففي عام 1956، كان عدد السكان لا يتجاوز 19 مليون نسمة، لكنه قفز إلى أكثر من 50 مليون نسمة بحلول نهاية الثمانينيات، ثم واصل الارتفاع ليتجاوز 70 مليونًا مطلع القرن الحادي والعشرين، واليوم يناهز 90 مليونًا.
وقد شهدت السياسات السكانية في إيران تحولات بارزة، لا سيما بعد الثورة الإسلامية عام 1979، إذ شجعت الدولة في البداية على الإنجاب، ولكن سرعان ما أدركت التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للنمو السكاني المتسارع، فتمّ اعتماد برامج تنظيم الأسرة بدءًا من أوائل التسعينيات، مما أدى إلى تراجع معدل الخصوبة من 6.5 طفل لكل امرأة في الثمانينيات إلى أقل من 2.1 طفل في أوائل الألفية الثالثة.
التوزيع الجغرافي للسكان
يتوزع السكان في إيران بشكل غير متساوٍ، حيث تتركّز الكثافة السكانية بشكل كبير في المناطق الشمالية والغربية من البلاد، ولا سيما في المحافظات المطلة على بحر قزوين، ومحافظة طهران، وأصفهان، وخراسان رضوي. بينما تبقى المناطق الصحراوية في وسط البلاد، مثل محافظتي يزد وكرمان، والمناطق الجبلية في الشرق والجنوب الشرقي، أقل كثافة سكانية.
تُعدّ طهران، العاصمة السياسية والاقتصادية، أكثر المدن كثافةً سكانيةً، حيث يقطنها نحو 9 ملايين نسمة داخل المدينة، وما يزيد عن 15 مليون نسمة في المنطقة الحضرية الكبرى، مما يجعلها واحدة من أكبر المدن في آسيا. يليها من حيث عدد السكان كل من مشهد، أصفهان، تبريز، وشيراز.
الهيكل العمري والتركيبة السكانية
تشير البيانات الديموغرافية الحديثة إلى أن المجتمع الإيراني يشهد تحولات عمرية بارزة، حيث بدأت نسبة الشباب تتراجع، في مقابل ارتفاع نسبة الفئات العمرية المتقدمة. يُقدّر أن نحو 24% من السكان تقل أعمارهم عن 15 عامًا، بينما تصل نسبة الفئة العمرية بين 15 و64 عامًا إلى نحو 65%، أما من هم فوق 65 عامًا فتزيد نسبتهم تدريجيًا، وقد تجاوزت 10% في بعض الإحصاءات الأخيرة.
هذه التحولات تضع تحديات أمام السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وتثير مخاوف من الشيخوخة السكانية وتراجع القوى العاملة في العقود المقبلة. وقد بدأت الدولة الإيرانية في السنوات الأخيرة بإطلاق حملات تشجيع الإنجاب ورفع معدلات الخصوبة، في محاولة لكبح الاتجاه نحو التقلص السكاني في المدى البعيد.
الهجرة الداخلية والخارجية
الهجرة الداخلية تُعدّ من السمات البارزة للديناميكيات السكانية في إيران. فقد شهدت البلاد منذ السبعينيات حركة نزوح واسعة من القرى إلى المدن، بفعل عوامل اقتصادية، وبحثًا عن فرص العمل والخدمات الصحية والتعليمية. وقد أسهمت هذه التحولات في تزايد نسبة التحضّر، حيث باتت أكثر من 75% من السكان يعيشون في مناطق حضرية، مقارنةً بأقل من 30% في منتصف القرن العشرين.
أما الهجرة الخارجية، فقد تأثرت بعوامل متعددة، منها الأوضاع الاقتصادية، والقيود الاجتماعية، والضغوط السياسية. ويُقدّر عدد الإيرانيين المقيمين في الخارج بما يزيد عن 5 ملايين نسمة، معظمهم في الولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا، ودول الخليج العربي. تلعب الجاليات الإيرانية في الخارج دورًا اقتصاديًا وثقافيًا مهمًا من خلال التحويلات المالية، والتأثير الأكاديمي، والعلاقات الاقتصادية.
اللغات والأعراق داخل إيران
رغم أن اللغة الفارسية (الفارسية الحديثة أو “دري”) تُعدّ اللغة الرسمية والموحّدة في إيران، إلا أن البلاد تشهد تنوعًا لغويًا وثقافيًا كبيرًا، نتيجة للتعدد العرقي الغني. إلى جانب الفُرس الذين يُشكّلون حوالي 60% من السكان، تضم إيران مجموعات عرقية رئيسية أخرى، منها الأذريون (حوالي 16-20%) الذين يتركزون في شمال غرب البلاد، واللور، والبلوش، والعرب، والتركمان، والأكراد، فضلًا عن أقليات أرمنية وآشورية ويهودية.
هذا التنوع العرقي والثقافي يعكس تاريخًا طويلًا من التعايش، ولكنه يشكل في بعض الأحيان تحديات سياسية واجتماعية، خاصة في المناطق الحدودية، حيث تظهر أحيانًا مطالب ثقافية أو اقتصادية من قبل بعض الأقليات، مثل الأكراد والبلوش والعرب.
المؤشرات التعليمية والاقتصادية للسكان
شهدت إيران تطورًا ملحوظًا في قطاع التعليم خلال العقود الماضية، إذ ارتفعت معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة لتتجاوز 95% بين الشباب، كما توسّعت الجامعات والمعاهد العليا في معظم المدن، وبرزت إيران كواحدة من الدول الرائدة في عدد الخريجين في مجالات العلوم والهندسة.
رغم هذا التقدم، يواجه الشباب تحديات متنامية في سوق العمل، تتجلى في ارتفاع معدلات البطالة، ولا سيما بين حملة الشهادات الجامعية. وبلغت البطالة بين الشباب نحو 20% في بعض الفترات، ما يشكل عامل ضغط اقتصادي واجتماعي.
اقتصاديًا، تعتمد نسبة كبيرة من السكان على القطاعات الخدمية، يليها قطاع الصناعة ثم الزراعة. ويُعدّ النفط والغاز من أبرز أعمدة الاقتصاد الإيراني، لكنه قطاع غير قادر وحده على استيعاب النمو السكاني المتزايد وتوفير فرص العمل الكافية.
الجدول التالي يوضح التوزيع العمري للسكان في إيران لعام 2025:
| الفئة العمرية | النسبة من إجمالي السكان |
|---|---|
| أقل من 15 عامًا | 24% |
| بين 15 و64 عامًا | 65% |
| فوق 65 عامًا | 11% |
التحديات السكانية المستقبلية
تشير التقديرات السكانية المستقبلية إلى تباطؤ ملحوظ في معدل النمو السكاني في إيران خلال العقود القادمة. فقد انخفض معدل الخصوبة إلى ما دون مستوى الإحلال (2.1 طفل لكل امرأة)، وهو ما يضع الدولة أمام سيناريوهات محتملة لانخفاض عدد السكان بدءًا من منتصف القرن الحادي والعشرين، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جادة لتعزيز النمو السكاني.
كذلك، يُعدّ التحول نحو مجتمع مسنّ من أبرز التحديات، إذ يتطلب بنية تحتية صحية واجتماعية متقدمة، واستراتيجيات شاملة في مجالات التقاعد، والضمان الاجتماعي، وخطط دعم الأسر. وقد بدأت الحكومة الإيرانية باتخاذ خطوات تدريجية لمعالجة هذه التحديات، بما في ذلك سياسات تشجيع الزواج المبكر، وتقديم حوافز مالية للأسر، وتعزيز دور المرأة في سوق العمل.
الخلاصة الإحصائية
إن فهم عدد السكان في إيران لا يمكن اختزاله في رقم إجمالي فحسب، بل يتطلب نظرة شاملة لهيكل المجتمع، والخصائص الديموغرافية، واتجاهات النمو والتغيير. فإيران تواجه في القرن الحادي والعشرين مجموعة من التحولات السكانية المعقدة، والتي ستحدد بدرجة كبيرة شكل مستقبلها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
المصادر:
-
مركز الإحصاء الإيراني (Statistical Center of Iran): https://www.amar.org.ir
-
تقرير البنك الدولي حول مؤشرات التنمية السكانية لإيران: https://data.worldbank.org
